الإدارة الرياضية بين العلم والممارسة




‏الفجوة بين العلم والممارسة الفعلية موجودة في أغلب المجالات والتخصصات، والناجح هو من يستطيع أن يقلّص هذه الفجوة ويحّد من تأثيرها.

‏والسؤال هنا: لماذا توجد فجوة بين العلم ممثلًا في كليات علوم الرياضة وبين الممارسة (الواقع العملي) ممثلًا في مؤسسات العمل الرياضي ؟


‏الأسباب والشروحات في ذلك عديدة ويمكن تلخيصها في النقاط التالية : 

‏• نظامنا التعليمي في الغالب يركّز على الكم أعلى من الكيف ويركّز على المعرفة المجردّة أكثر من التطبيق والممارسة، فهو لا يراعي روح العمل وفلسفته من 

طرق وسياسات، كما لا يضع في عين الاعتبار المعوقّات التي تحدث في بيئة العمل والمرتبطة بالتشريعات والميزانيات أو ظروف العمل المختلفة.

•ضعف التعاون والتواصل الفعلي بين الجهات العلمية و مؤسسات العمل الرياضي.

•المقرر الدراسي في كليات علوم الرياضة وأقسامها في الغالب يبدأ وينتهي دون إرتباط المتعلم بالواقع العملي من خلال الزيارات والتقارير الميدانية، البحث التطبيقي، التدريب والمعايشة .

‏• لابد من تطوير برامج الإدارة الرياضية لتلائم الرؤى والاتجاهات الحديثة للرياضة ومنها على سبيل المثال لا الحصر، إدارة السياحة الرياضية -الحوكمة في الرياضة - الإبتكار والريادة الرقمية في المجال الرياضي .

‏• الأبحاث العلمية في كليات وأقسام علوم الرياضة بحاجة إلى أن تراعي بشكل أكبر وأدّق للمشكلات الحقيقة التي تعاني منها مؤسسات العمل الرياضي وأن يكون الباحث على علم وإدراك لرؤية هذه المؤسسات وأهدافها.

وهذا لا يمنع أن أشير إلى أن هناك أبحاث علمية مميزة كانت  قادرة على المساهمة في تحسين عمل المؤسسات الرياضية وبناء مستقبلها.  إذ أعود بذاكرتي لدراسة علمية عميقة وموضوعية كانت بعنوان[ الخطة الإستراتيجية لمنظومة كرة القدم بالمملكة العربية السعودية ] إعداد لجنة الدراسات الاستراتيجية بالاتحاد السعودي لكرة القدم، والتي كان يرأسها  الخبير الأستاذ الدكتور عبداللطيف بن إبراهيم بخاري وعضوية فريق عمل مميز ضم نخبة من أصحاب الفكر والعلم والممارسة التطبيقية .

‏كما أن هناك دراسات  أُنجزت لتعالج المشكلات في الاحتراف الرياضي الداخلي و معوقات الاحتراف الخارجي ودراسات في التمويل، التسويق الرياضي، وأخرى في تأسيس اللاعبين وتطوير الأكاديميات، بالإضافة إلى دراسات ناقشت العوامل المؤثرة في تدني نتائج ومستويات الرياضات الفردية ، لكن ومع كل الأسى والأسف لم تفعّل هذه الدراسات وظلّت حبيسة الأدراج بسبب قناعات المسؤولين في المنظمات والمؤسسات الرياضية آنذاك !

فالثقافة التنظيمية في أغلب المنظمات الرياضية العربية لا تؤمن بأهمية البحث العلمي فضلًا عن إبداء   الرغبة بالاستفادة و مد جسور التقارب مع الجهات العلمية من أقسام وكليات متخصصة في علوم الرياضة.

•الميزة التنافسية التي من المفترض أن تسعى وتهدف إليها كليات علوم الرياضة هي الإهتمام بنواتج التعلّم وتجويد العمليات الداخلية لإكساب المتعلّم مهارات ( علمية ، فنية ، إنسانية ) يستطيع من خلالها تحويل مجمل المعارف التي تعلمها إلى واقع ملموس قابل للتطبيق ومن ثم التطوير .

بمعنى أن يكون لدى المتعلم القدرة والمهارة التي تمكنه من أن يترجم العلم إلى عمل، ويحول النظريات إلى تطبيقات في ميادين عمل المؤسسات والمنظمات الرياضية.


أختم بالقول أن الفجوة بين العلم والممارسة ربما تكون أخطر من الفجوة بين العلم والجهل .



هاني عبدالعزيز السعود 

محاضر بجامعة القصيم

0/Post a Comment/Comments